أسباب تقشر الجلد: نظرة طبية موسعة

يُعد تقشر الجلد من الأعراض الجلدية الشائعة التي قد يعاني منها الإنسان في مختلف مراحل حياته، ويُعرف طبيًا بأنه فقدان الطبقات الخارجية من البشرة بطريقة غير طبيعية أو مفرطة. وتُعد البشرة الحاجز الحيوي الأول بين جسم الإنسان والعوامل البيئية الخارجية، ولذلك فإن أي خلل في سلامتها أو بنيتها قد يؤدي إلى مظاهر مرضية منها التقشر. قد يظهر التقشر كعرض خفيف لا يستدعي القلق، أو قد يكون مؤشرًا على حالة صحية خطيرة تتطلب التدخل العلاجي العاجل. يهدف هذا المقال إلى تحليل أسباب تقشر الجلد بصورة شاملة، مع استعراض الآليات الفسيولوجية والمرَضيّة المرتبطة بهذه الظاهرة، إضافة إلى العوامل المؤثرة والمرتبطة بها، والطرق المثلى للتشخيص والتعامل معها.

التركيب البنيوي للجلد وأهميته في فهم التقشر

لفهم أسباب تقشر الجلد يجب أولًا استيعاب التركيب البنيوي للجلد، والذي يتكون من ثلاث طبقات رئيسية:

1. البشرة (Epidermis): وهي الطبقة الخارجية التي تحتوي على الخلايا الكيراتينية التي تتجدد باستمرار.

2. الأدمة (Dermis): تحتوي على النهايات العصبية والأوعية الدموية وبصيلات الشعر والغدد العرقية والدهنية.

3. تحت الأدمة (Hypodermis): وهي طبقة دهنية تربط الجلد بالأنسجة الأعمق.

يتجدد الجلد الطبيعي بشكل دوري، وتُطرح خلاياه الميتة تلقائيًا دون أن يُلاحظ ذلك بشكل ظاهر. ولكن في حالة التقشر، تحدث اضطرابات في هذه العملية، إما بسبب تسارع دورة التجدد أو بسبب الأذية التي تلحق بالخلايا الكيراتينية.

الأسباب الشائعة لتقشر الجلد

1. الجفاف الشديد للجلد (Xerosis)

يُعد الجفاف أحد أكثر الأسباب شيوعًا لتقشر الجلد، ويحدث نتيجة فقدان الرطوبة من الطبقة القرنية للبشرة. ويكثر ذلك في فصل الشتاء أو في البيئات الجافة أو مع الاستخدام المفرط للصابون والمنظفات.

• العوامل المسببة للجفاف:

  • انخفاض الرطوبة النسبية.

  • الاستحمام بماء ساخن لفترات طويلة.

  • استخدام مستحضرات تجميل قلوية أو كحولية.

  • نقص شرب المياه.

  • التقدم في العمر، حيث تقل قدرة الجلد على الاحتفاظ بالرطوبة.

2. الأمراض الجلدية الالتهابية

أ. الأكزيما (التهاب الجلد التأتبي Atopic Dermatitis)

تُعد الأكزيما من أكثر الأمراض الجلدية المزمنة شيوعًا، ويُلاحظ فيها تقشر الجلد، مع حكة واحمرار. تحدث نتيجة تفاعل معقد بين الاستعداد الجيني والعوامل البيئية.

ب. الصدفية (Psoriasis)

مرض مناعي مزمن يتميز بزيادة معدل تكاثر الخلايا الجلدية، مما يؤدي إلى تراكمها على شكل قشور سميكة فضية أو بيضاء. تكون مناطق الركبتين والمرفقين وفروة الرأس الأكثر عرضة.

ج. التهاب الجلد الدهني (Seborrheic Dermatitis)

يؤثر هذا النوع من الالتهابات على المناطق الغنية بالغدد الدهنية كفروة الرأس، الوجه والصدر، ويظهر على شكل قشور دهنية مائلة للاصفرار.

جدول يوضح الفروقات بين بعض الأمراض الجلدية التي تسبب تقشر الجلد:

3. العدوى الجلدية

أ. العدوى الفطرية

الفطريات الجلدية، خاصة تلك التي تنتمي إلى فئة الـ Dermatophytes، مثل سعفة القدم (Tinea Pedis) وسعفة الجسم (Tinea Corporis)، تؤدي إلى تقشر الجلد المصحوب بالحكة والاحمرار.

ب. العدوى البكتيرية

في بعض الأحيان، يمكن أن تؤدي العدوى البكتيرية مثل الحمرة (Erysipelas) أو القوباء (Impetigo) إلى تقشر الجلد خاصة بعد انفجار البثور أو الحويصلات.

ج. العدوى الفيروسية

مثل الحصبة والحمى القرمزية والجدري المائي، حيث يترافق الشفاء من الطفح الجلدي مع تقشر الجلد.

4. الحساسية والمواد المهيجة

التعرض لمواد مهيجة أو مسببة للحساسية يمكن أن يؤدي إلى التهاب الجلد التماسي، وهو نوع من الأكزيما يظهر بعد التعرض المباشر للمواد الكيميائية أو المعادن أو النباتات.

• أمثلة على المواد المهيجة:

  • المنظفات.

  • العطور.

  • النيكل في المجوهرات.

  • اللاتكس.

  • بعض أنواع النباتات مثل اللبلاب السام.

5. التعرض لأشعة الشمس (حروق الشمس)

التعرض المفرط للأشعة فوق البنفسجية (UV) يؤدي إلى أذية الخلايا الكيراتينية، ما يسبب موتها وانفصالها عن الجلد، وهو ما يُترجم بتقشر الجلد في الأيام التالية للحرق الشمسي.

6. الأدوية والعلاجات الطبية

بعض الأدوية يمكن أن تُسبب تقشر الجلد كأثر جانبي، خاصة الأدوية الموضعية أو الجهازية التي تؤثر على الخلايا الجلدية.

• أمثلة على أدوية قد تسبب التقشر:

  • الريتينويدات مثل الإيزوتريتينوين (لعلاج حب الشباب).

  • العلاج الكيميائي في مرضى السرطان.

  • بعض المضادات الحيوية الموضعية مثل نيتروفيورازون.

  • علاجات الحساسية التي تؤدي لتفاعلات جلدية ثانوية.

7. الأمراض الجهازية والنادرة

أ. الذئبة الحمراء الجهازية (SLE)

مرض مناعي ذاتي يُسبب طفح جلدي على شكل فراشة على الوجه، وقد يترافق مع تقشر في مناطق متفرقة.

ب. متلازمة ستيفن جونسون (Stevens-Johnson Syndrome)

حالة نادرة وخطيرة، يُرافقها تقشر واسع النطاق للجلد والأغشية المخاطية وتُعد طارئة طبية.

ج. نقص الفيتامينات والمعادن

نقص الفيتامينات، خاصة فيتامين A، B3 (النياسين)، وC قد يؤدي إلى مشاكل في الجلد منها التقشر والتشقق.

8. العوامل البيئية ونمط الحياة

• تغيرات المناخ، خصوصًا الانتقال من مناخ رطب إلى جاف.

• التدخين يؤثر على الدورة الدموية الجلدية ويُضعف من التروية والتجدد.

• سوء التغذية يقلل من العناصر الأساسية اللازمة لصحة الجلد.

• الضغط النفسي قد يفاقم الأمراض الجلدية كالأكزيما والصدفية، ويزيد من تقشر الجلد.

الوقاية والعلاج

يُركز علاج تقشر الجلد على التعامل مع السبب الجذري للمشكلة. وفي كثير من الحالات، قد يتضمن العلاج:

• ترطيب الجلد بانتظام باستخدام مستحضرات تحتوي على السيراميد أو اليوريا أو الجلسرين.

• تجنب العوامل المهيجة والمعروفة بتسببها بردود فعل جلدية.

• استعمال الكريمات الموضعية الطبية مثل الكورتيكوستيرويدات أو مضادات الفطريات حسب التشخيص.

• العلاج الجهازي في الحالات الشديدة مثل الصدفية أو متلازمة ستيفن جونسون.

• تعديل النظام الغذائي في حال وجود نقص في الفيتامينات والمعادن.

• استشارة طبيب الجلدية عند استمرار الأعراض أو ظهور علامات تشير إلى أمراض جهازية.

المراجع

1. Bolognia, J. L., Schaffer, J. V., & Cerroni, L. (2018). Dermatology. Elsevier.

2. James, W. D., Elston, D. M., Treat, J. R., Rosenbach, M. A., & Neuhaus, I. M. (2020). Andrews’ Diseases of the Skin: Clinical Dermatology. Elsevier.